اختارها الله لتحمل القدسية وخصها بأنها مهد الديانات وارض الانبياء عليهم السلام فهي بذلك من اهم رموز الوحدة والاتفاق لا الفرقة والشقاق .
طبعا انها هي مدينة القدس مدينة المحبة والسلام قلب العالم وملتقى الانظار وعشق الاطهار .
تعتبر القدس مدينة مقدسة بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث : الاسلام , المسيحية , اليهودية .فبالنسبة للمسلمين هي تحوي المسجد الاقصى ثالث اقدس مسجد عند المسلمين واولى القبلتين قبل الصلاة باتجاه الكعبة وايضا من القدس عرج الرسول محمد صلي الله عليه وسلم الى السماء حسب المعتقد الاسلامي .
اما بالنسبة للمسيحية ففيها كنيسة القيامة وهي المدينة التي شهدت صلب المسيح وقيامه بحسب المعتقدات المسيحية .
وكذلك الامر فهي مدينة مقدسة لليهود منذ القرن التاسع قبل الميلاد حسب المعتقد اليهودي الشائع وتقول الشريعة اليهودية بأن أهم صلواتهم يجب أن تكون بالتوجه نحو القدس .
ولكن للاسف ان نفس اسباب عزتها هي اسباب طمع الطامعين فيها لذا سعوا اليها بكل الطرق حتى والتي تؤديها وتمس قدسيتها وحاول الجميع بسط سيطرته عليها ولو بالقوة والاحتلال وشن الحروب والتي غالبا ما كانت تأخذ طابعا دينيا وان كان في اغلب الاوقات ليس سوى استعمارا بكل ما تعني الكلمة وذلك بمطامع سياسية او اقتصادية قد تعود عليهم من وراء السيطرة على المدينة المقدسة فهكذا مكثت القدس معظم عصورها تحت الاحتلال .
وحسب المكتوب في التوراة / العهد القديم ( مثلا في سفر القضاة , اصحاح 10,19 ) كانت تسمى قدم التاريخ "يبوس" نسبة إلى اهلها اليبوسيين المتفرعين من الكنعانيين والذين هم عربيو الاصول وكانت تشهد ازهى عصورها واحاطوها بكل اهتمامهم وحفظوا امنها فقد بنوا قلعتها والتى تعنى بالكنعانية (مرتفع) و تذكر مصادر تاريخية عن الملك اليبوسى
(ملكى صادق) انه هو أول من بنى يبوس أو القدس، وكان محبا للسلام، حتى أطلق عليه ملك السلام ومن هنا جاء اسم المدينة و قد قيل أنه هو من سماها بأورسالم أي (مدينة سالم ) .
ولكن الصهاينة يرفضون هذه الحقائق الدامغة بالادلة وزعموا انهم اهل هذه المدينة وانهم الاحق بها ولكن لم ولن تظهر كافة اعمالهم الحفرية والتنقيبية المستمرة عن اي دلائل تؤكد مزاعمهم فقاموا بتهجير اعداد كبيرة من سكانها الفلسطينيين وهدموا مئات الالوف من منازلهم في محاولة لتغيير طابعها الديموغرافي ولاتزال الهجمة االشرسة حتى اللحظة و سعوا إلى عمليات تغيير واسع للطابع الديني من خلال مشاريع سياحية وترفيهية تتناقض مع الطابع الديني الإسلامي في القدس معتبرين ان المدينة هي عاصمة الصهاينة وكان هذا الاعلان عام 1949 بداية فعلية لتهويد المدينة بكل الوسائل ونقلت السلطات الصهيونية معظم مؤسساتها الى القدس دون أن يعترف دوليا بهذا الإعلان الصهيوني ، ما عدا اعتراف جزئي من قبل الولايات المتحدة في عام 1995 واليوم توجد في المدينة جميع المؤسسات الحكومية الصهيونية باستثناء وزارة الدفاع الموجودة في تل ابيب (تل الربيع ).
وبرغم ذلك اصرت منظمة التحرير الفلسطينية على حقها في المدينة المقدسة كمدينة فلسطينية عربية بل وعاصمة دولة فلسطين واعلنت ذلك في مناسبات عديدة اهمها ضمن وثيقة الاستقلال الفلسطينية عام 1988 في الجزائر .
وادارت منظمة التحرير الفلسطينية مركزا لها في " بيت الشرق " بالقدس الا انه اغلق بأمر من الداخلية الاسرائيلية
عام 2001 .
وقد اختيرت القدس لتكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 الحالي وذلك تأكيدا على عروبة المدينة وأصرارا على كونها عاصمة الدولة الفلسطينية .
حاولت بعض الاطراف ولا زالت حتى يومنا هذا الاستفادة من هذه القدسية للمدينة لمصالحها الخاصة والفئوية واتخدت من وجوب تحريرها درائع للنيل من بعض خصومها واطلقت عدة تصريحات كان من اهمها عبارة
( تحرير القدس يبدأ من .... ) .
فها هو يسلط مصباح الموسوي الضوء على ما اسماه الاعيب ايران في استخدام هذه العبارة لاهدافها التوسعية ويقول بمقال نشر له في 1/2/2009حين قرر قادة النظام الإيراني خوض الحرب مع العراق لكسر أول واهم عقبة تقف في وجه مشروعهم التوسعي ‘كان شعارهم في تلك الحرب: " تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاء "وعلى الرغم من هزيمتهم في تلك الحرب إلا أن "تحرير كربلاء" قد تحقق لهم بعد ذلك بفضل القوات الأمريكية ولكنهم لم يتخذوها طريقا لتحرير القدس كما كانوا يزعمون، وإنما أصبحت كربلاء طريقا لتمدد الإيراني وإشعال المزيد من الفتن الطائفية في العراق و المنطقة. القادة الإيرانيون الذين اعتادوا افتعال الأزمات مع دول الجوار لتحقيق مآربهم في المنطقة
فالنائب - داريوش قنبري- وهو أيضا عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، فقد كانت تصريحاته هي الأكثر تصعيدا حيث هدد بإمكانية شن بلاده الحرب على دولة الإمارات في حال استمرت بادعاء ملكيتها للجزر الإيرانية الثلاث حسب زعمه.مذكراً أن الحرب بين إيران والعراق كانت قد وقعت بسبب الخلاف حول ملكية الأراضي، لذلك فان تكرار مطالب الإمارات قد يؤدي إلى نشوب حرب بين البلدين. وبما أن لكل حرب شعاراتها فلا يستبعد أن يكون الشعار الإيراني هذه المرة هو تحرير القدس يمر عبر احتلال دولة الإمارات العربية المتحدة ( واضف انا او البحرين ايضا فقد ادخلتها ايران في هذه الدائرة مجددا ) !.
ولم تكن هذه التصريحات جديدة ففي 15/5/2008 في الحوار الذي أجرته معه جريدة ( الأخبار الحقيقة ) التركية الإسبوعية تحدث سيف الدين محمود القيادى في حركة المقاومة الإسلامية العراقية عن تأسيس كتائب صلاح الدين الأيوبي ، وعلاقة الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية بجماعة الإخوان المسلمين ، وامتدادها التاريخي و الجغرافي وقال إن بغداد تسأل هل من ناصر ينصرها وينقذها من جديد واضاف " إن طريق القدس يبدأ من بغداد " و كان المكتب السياسي لجبهة المقاومة الإسلامية قد أصدر بيانا في الذكرى الستون للنكبة ، جاء فيه :مقاومة الاحتلال في العراق ورده هو بداية انهيار المشروع الصهيوني في المنطقة، فإذا انهار الاحتلال الأمريكي في العراق كان هذا الانهيار هو الخطوة الأولى على طريق تحرير المسجد الأقصى المبارك ونصرة قضية المسلمين الأولى فلسطين .
ولم يكن هذا التصريح الوحيد من جهة عراقية فقد قال ناطق مأذون من الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية في 3 / 11 / 2008 " ونحن تقول بأن طريق تحرير القدس يبدأ من بغداد ، ولن يخذل العراق أرض فلسطين " .
وقد نتفهم مثل هذه التصريحات بأعتبار ان امريكا هي الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني وان هزيمتها في العراق هو بداية هزيمة للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة على الرغم من تحفضنا على هذه التصريحات ومطلقيها فماذا قدموا للقدس وفلسطين واين كانوا هؤلاء قبل احتلال العراق ؟ اولم يكن العراق حرا ذو سيادة ام انهم ادركوا هذه الحقيقة بعد احتلال العراق ؟
كما قد نتفهم الدعوات التي تطالب بمحاربة الدينمارك لاسائتها للرسول الكريم وان اصحاب هذه الدعوات يرون ان تحرير القدس يبدأ من الدينمارك ولكن ما لا نتفهمه قيام بعض الجماعات والتي تصر ان تطلق على نفسها " اسلامية " بهجمات داخل المجتمعات والمدن العربية بدعوى الجهاد فكثرت التسائلات هل الطريق إلى تحرير فلسطين واستعادة القدس الشريف من يد الغاصبين وأن الثأر للمسلمين المضطهدين في فلسطين والعراق تبدأ بقتل رجال أمننا البواسل وهم آمنون مستأمنون ساهرون على أمننا وراحتنا وتدمير المنشآت الحكومية والعسكرية والمدنية وقتل النساء والشيوخ والأطفال وهل تحرير فلسطين والطريق الى القدس يكون بقتل وتقسيم العرب؟؟؟
نعم ان هذا ما يريده اعداء العرب (ضمن لعبة تقسيم الادوار ) وان كانوا يدعون انهم اصدقاء ومتضامنون وبل يسعون الى ذلك ليتمكنوا من السيطرة اكثر فأكثر على بلادنا العربية والتفرد بمواردها ونهب خيراتها فما قاله النائب البريطاني جورج غالاوي مثلا في هجومه علي الحكام العرب قبل ايام كان أليما جدا. ففي إحدى خطبه الموجهة للشعبين الفلسطيني والمصري أمام فلسطينيي وعرب بريطانيا قال غالاوي " الطريق إلى تحرير القدس يمر عبر القاهرة، وليس هناك من طريق آخر فعلى الشعوب العربية وخصوصا الشعب المصري العظيم الإطاحة بالمرتزقة والخونة والعملاء من ملوك وقادة العرب " فكيف يخيل الى هذا البريطاني ان الطريق للتحرير القدس يكون عبر بث بذور الفرقة والشقاق وعن طريق الفوضى والفلتان بالانقلاب ونحوه ؟ وكيف يسمح له بهذا التحريض العلني والصريح لشق الصف العربي والصيد بالماء العكر ؟ ! .
نحن نعلم مدى صحة الاقوال والاصوات القائلة إن الطريق لتحرير القدس يبدأ من تحرير أنفسنا من الاستبداد والفساد ولكن بالطرق السلمية فهي كثيرة متوفرة ولا توقض الفتن كالانتخابات النزيهة فليتقدم لها من يريد الاصلاح الحقيقي ومن يجد في نفسه الكفائة والمقدرة على تحمل المسؤلية .ان الوحدة بشقيها ( العربية - العربية ) او ( الوحدة الداخلية ) لاي شعب عربي وخاصة الفلسطيني والحفاظ على تماسكه هي الطريق الحقيقي والوحيد لتحرير القدس والا كيف تستطيع دولة ترزح تحت وطأة الانقسام والاقتتال ان توفر الامن لغيرها ؟ وكيف تقدر على ان تقدم العون لجارتها وهي من تحتاج العون ؟ بل لن تستطيع القاهرة اجراء الحوار والمصالحة الفلسطينية ان كانت غير متوحدة لانها ستكون بحاجة لمن يقودها لمصالحة وطنية تحتاجها لتوحدها نفسها . ولن يصل للشعب الفلسطيني من مصر اي نوع من المساعدات والتي هو بأمس الحاجة اليها لانها ستكون في حاجتها ان لم تكن نهبت بسبب الانقسام والفلتان ( لا سمح الله ) .و لو ظلت الأمة بعيدة عن هذا الدرب وعن هذا الطريق فلم تستطع ولن تستطيع أبداً أن تصل إلى القدس الشريف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق