السبت، 14 مارس 2009

كتائب شهداء الاقصى تكشف عن تفاصيل مثيرة لأول مرة حول تفاصيل عملية اسدود الاستشهادية في ذكري مرور خمس سنوات عليها

الرابع عشر من مارس تاريخ يحفظه الصهاينة جيدا، لأنه يحمل معه ذكرى تحطيم نظرية أمن الاحتلال على صخرة أبناء المقاومة الفلسطينية الذين مرغوا أنف الحكومة النازية بالتراب و أثبتوا أن كل التحصينات التي يتغنى بها العدو لا تمنع استشهاديا من بلوغ مرامه أو تحقيق هدفه.
ففي تاريخ 14-3-2004 كان ميناء اسدود الصهيوني شديد التحصن على موعد مع استقبال الاستشهاديين البطلين نبيل مسعود ابن كتائب الأقصى و محمود سالم ابن كتائب القسام، و اللذان سطرا أروع ملاحم البطولة عندما فجرا جسديها الطاهرين في جنود و شرطة الاحتلال داخل الميناء و أحالا ليل العدو إلى نهار تاركين إياه يتخبط مذعورا لا يدري من أين خرج هذان البطلان، هل أمطرتهما السماء، أم خرجا من باطن الأرض، أم هل خرجا من بطن حوت في البحر ساقهما إلى الشاطئ؟؟
ما يعرفه الجميع أن البطلين مسعود و سالم نفذا عملية استشهادية مزدوجة في ميناء اسدود قبل عامين أوقعت ثلاثة عشر قتيلا صهيونيا و عشرات الجرحى، و تركت العملية أثرا واضحا لدى حكومة شارون الذي اتخذ قرارا بعدها باغتيال و تصفية جميع قادة المقاومة مترجما ذلك باغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين و الشيخ الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ومن ثم الرئيس ياسر عرفات ، فعملية اسدود كانت الأولى التي نجح فيها فدائيون في الوصول إلى منطقة استراتيجية في العمق الصهيوني انطلاقا من قطاع غزة .
لم تكن هذه المعلومات عن العملية المزدوجة تمثل كل القصة، فهناك معلومات مثيرة و تفاصيل مثيرة يرويها أبو عماد الناطق باسم كتائب شهداء الاقصي مجموعات عماد مغنية الجناح العسكري لحركة فتح عملية اسدود .
فكرة العملية
جاءت فكرة تنفيذ عملية استشهادية في ميناء اسدود المحصن و المعقد من قبل القيادي في كتائب الأقصى الشهيد حسن المدهون، وقيادي اخر من الكتائب و بعد دراسة جيدة ومعقدة للفكرة تم عرضها على قيادة كتائب الأقصى فلسطين، و جاءت الموافقة على الفكرة الأولى، و هي استهداف الميناء بعملية استشهادية يستخدم فيها المتفجرات و الأحزمة الناسفة. كانت القيادة تدرك أن هجوما معقدا كهذا أمر بالغ الصعوبة في ظل الاحتياطات الأمنية الصهيونية البالغة ووجود قطاع غزة تحت حصار خانق برا و بحرا و جوا، و نجاح المهمة كان رسالة لشارون و حكومته مفادها أن فرض الإجراءات الأمنية لا يكفي لجلب الأمن للمستوطنين المحتلين.
بعد الدراسة الكاملة و الوافية للخطة من كافة جوانبها و رسم خارطة مفصلة للميناء بناء على معلومات حصلت عليها كتائب الأقصى بطريقة خاصة، قررت قيادة الكتائب أن تكون العملية مشتركة نظرا لحجمها و تعقيداتها الكثيرة، فعرضت الخطة على القياديين الشهيدين في كتائب القسام وائل نصار و فوزي أبو القرع، و وقعت الموافقة على التنفيذ بسرية تامة.
تم تكليف الشهيد حسن المدهون و قيادي آخر في كتائب الأقصى و الشهيد فوزي أبو القرع مع قيادي ثان من كتائب القسام بمتابعة العملية و الإعداد لها مع توفير كل الإمكانيات المتاحة .
الوسيلة
استخدمت في تنفيذ العملية 'كنتينر بضائع خاص' تم توفيره بصعوبة بالغة، بحيث يدخل الميناء الذي يعج بالكنتنرات التي تفرغ و تحمل البضائع من و إلى قطاع غزة عبر معبر المنطار.
غرفة سحرية
في نهاية الكنتينر البالغ طوله 12 مترا تم تجهيز غرفة سحرية و بدقة متناهية، حيث لم يتجاوز عرض الغرفة 55 سنتمترا، بحيث تم إنشاء جدار قياسي على غرار الجدار الحقيقي في نهاية الكنتينر لا يستطيع من يراه أن يميزه.
في داخل الغرفة تم تثبيت مشابك حديدية يتشبث بها الاستشهاديان عند قيام قوات الاحتلال برفع الكنتنينر و هزه لتفتيشه في المعبر، بحيث لا يعمل التفتيش و الأرجحة على تقلب من بداخل الكنتينر فتصدر أصوات تكشف أن أمرا ما في الداخل.
على الجوانب الثلاثة للغرفة السرية تم فتح أبواب مموهة جيدا تفتح من الداخل و لا تفتح من الخارج و لم يترك أي فراغ في هذه الأبواب يثير الشك أو الريبة، و حتى يتمكن الاستشهاديان من الخروج من أي الأبواب إذا ما تم حشر الكنتينر بين كنتينرات أخرى في الميناء تغلق المنافذ، بحيث إذا أغلق المنفذ على اليمن مثلا استطاع الاستشهاديان الخروج من الجهة اليسرى و العكس، و إذا أغلق المنفذان الأيمن و الأيسر يفتحان الباب الخلفي .
داخل الغرفة السرية تم تجهيز ما يشبه (حمّام الطوارئ) و لوازم أخرى تتحفظ الكتائب عن الإفصاح عنها، كما تم تزويد المنفذين بالمياه المعدنية و التمر، لأن الرحلة من المؤكد ستكون شاقة و طويلة عليهما.
اختيار الاستشهاديين
بعد(التشييك) الدقيق من قبل القادة أعطيت الإشارة بالانتهاء من إعداد الكنتينر و الغرفة السرية بطريقة فنية رائعة و هندسية مثيرة، و بذلك انتهت الخطوة الأولى.
الخطوة الثانية كانت اختيار الاستشهاديين منفذي العملية، فاختار قيادة كتائب الاقصي الاستشهادي نبيل مسعود (17 عاما)عن كتائب الأقصى، و اختارت كتائب القسام الشهيد محمود سالم (18 عاما)،و كلاهما من مخيم جباليا للاجئين، و تم تدريبهما تدريبا جيدا، و تأقلموا على الغرفة السرية، وتعلموا كيفية تثبيت أنفسهم عند تفتيش الكنتينر داخل المعبر، حيث أن الإجراءت في المعبر شديدة الصرامة.
تنفيذ العملية
كان يحتاج تنفيذ العملية إلى حزام ناسف و حقيبة متفجرات، و قد استخدم في هجوم اسدود مواد متفجرة جديدة لم تستخدم في أي عملية سابقة.
كما احتاجت المهمة لباسا خاصا يرتديه الاستشهاديان يتناسب مع طبيعة الهدف و أجهزة خلوية إسرائيلية 'أورانج' للمتابعة و الاتصال مع غرفة العمليات المشتركة.
* فجر الرابع عشر من مارس 2004 تمت مراجعة الخطة بشكل نهائي، و تفقد القادة مع الاستشهاديين الغرفة داخل الكنتينر، و صعد نبيل و محمود للغرفة بعد إعطائهم التعليمات بإغلاق وسائل الاتصال التي بحوزتهم حتى دخول الميناء، لتبدأ الرحلة، و يبدأ الترقب و تصبب العرق من القادة في غرفة العمليات المشتركة و قلوبهم تخفق بالدعاء أن ينجح الله المهمة.
دخول الكنتينر
وضع القادة حسابات زمنية بأن الكنتينر سيكون في الطرف الإسرائيلي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم، و لكن تأخر دخول الكنتينر إلى الساعة الواحدة بعد الظهر بسبب وجود كنتينرات كثيرة تحت التفتيش، و مما زاد الطين بلة أن ذلك اليوم كان شديد الحر، فصارت المشقة و التعب مضاعفين على نبيل و محمود.
تم تفتيش الكنتينر من قبل قوات الاحتلال، و أعطت وحدة الرصد الأنباء بأن الكنتينر قد خرج من المعبر باتجاه ميناء اسدود، في هذه اللحظات تنفس الجميع الصعداء و فرح حسن المدهون وقيادة الكتائب فرحة قالوا إنهم لم يفرحوا مثلها في حياتهم، فقد كانت هذه المرحلة هي الأشد خطورة و صعوبة في الخطة، بل أن نجاحها كان يعني نجاح الخطة.
أنا عند أمي
بعد ذلك ساد الهدوء غرفة العمليات المشتركة، فالجميع بانتظار المكالمة الأخيرة من نبيل ومحمود، و عند الساعة الرابعة عصرا اتصل نبيل على القائد حسن المدهون وقيادة الكتائب و قال لهم: أنا عند أمي' و هي كلمة السر المتفق عليها و التي تعني أن نبيل سيفجر نفسه في الهدف بعد ثوان معدودة، ثم انقطع الاتصال.
نبيل فجر نفسه داخل الميناء، في حين كان محمود في مكان بعيد ينتظر احتشاد جنود و شرطة الاحتلال في المكان ليفجر حقيبته وسطهم، قد فجر نبيل نفسه على بعد أمتار من مخازن للمواد الكيميائية، الأمر الذي زاد الإرباك في صفوف الصهاينة.
وسائل الإعلام العبرية بدأت تتناقل أن انفجارا مصدره اسطوانة غاز قد وقع في ميناء اسدود، فلم يكن لدى قوات الاحتلال ما يؤكد أن الانفجار نفذه استشهادي.
بعد تجمع جنود الاحتلال و في مكان الانفجار الأول خرج عليهم الاستشهادي محمود سالم وفجر نفسه وسطهم، لتسفر العملية عن مقتل ثلاثة عشر صهيونيا و إصابة ثلاثين بعضهم بجراح خطيرة.
تعقيب العدو على العملية
قادة الاحتلال صرحوا في تعقيبهم على العملية بأن كارثة كانت ستحدث في جنوب إسرائيل لو وقع الانفجار داخل مخازن المواد الكيميائية، و اعترفوا أن المقاومة استهدفت منطقة استراتيجية لم تستهدف من قبل.
لم يخطر ببال قادة العدو الوسيلة التي نفذت من خلالها العملية، فتارة قالوا إن المهاجمين وصلا الميناء بواسطة أوراق مزورة، و تارة أخرى قالوا إنهما دخلا عبر نفق من تحت الأرض، و ثالثة خمنوا أنهما وصلا عن طريق البحر بواسطة زورق أو ضفادع بشرية.
الكاتب الصهيوني في جريدة يديعوت أحرونوت علق على العملية بالقول: هذه العملية أثبتت أن لا جدار مهما كان عاليا يمكنه أن يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أهدافهم التي يخططون لها بدقة'.
كما أن حكومة شارون اتخذت عقب العملية قرارا بتصفية جميع قادة و كوادر كتائب الأقصى و كتائب القسام، وعلى رأسهم الرئيس ياسر عرفات واصفا اياه بالداعم للمقاومة فبدأت ذلك باغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين بعد أسبوع من تاريخ العملية، أعقبه اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، و شهد قطاع غزة أوسع حملة اغتيالات و قصف للمقرات والاجهزة الامنية و المواقع و المؤسسات التابعة لفتح و حماس .
وكان رد ياسر عرفات على احد الصحافيين عن موقفه من العملية انه قال " كيف اوقف شخصا من الاستشهاد بمكان قد كتب الله له الاستشهاد فيه " فأعتبر شارون ذلك بمثابة موافقة عرفات على العملية وانه كان يقف ورائها .
كانت عملية بطولية مشتركة جسدت الوحدة الفلسطينية والتي كان ينادي بها ياسر عرفات واستشهد من اجلها وكانت من اخر وصاياه وهو يركب الطائرة في رحلة العلاج الى باريس والتي عاد منها الى ارض الوطن شهيدا .
فكم نحتاج لهذه الوحدة الوطنية في هذه الايام العصيبة كما نحن بأعز الحاجة لمثل هذه العملية لتعلن مجددا للعدو الصهيوني ان لا امن ولا سلام لهم الا بالامن والسلام لشعبنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق